مؤتمر صحفي

2025-07-23

date_range

اسمحوا لي أن أتلو عليكم رسالة مفتوحة باسم أهل غزة، ونيابة عن معاناة أطفالها ونسائها وشيوخها وقهر رجالها. لن أتحدث بلغة الأرقام (التي تحدث بها د. مصطفى)، وإنما بلغة القلب والضمير! 

 

من قلب غزة النازف منذ 21 شهرا متواصلة: حيث الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج والنزوح القسري والفوضى المجتمعية والتدهور الإنساني، وحيث الاحتلال الفاشي يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والعهود والاتفاقيات، وحيث النظام العالمي الرسمي يوغل في التواطؤ والخذلان! من هنا، من عمق المعاناة والألم نطلقها صيحة مدوية: كفى تباطؤا، كفى تواطؤا، كفى تحليلا، كفى صمتا، كفى مساومة، كفى إنكارا ومكابرة! فمن ينكر الواقع ينكره الواقع وتنكره الناس. كفى هوسا بوهم "النصر المطلق" وأوهام البسالة المستحيلة و"الصمود الأسطوري".

 

فلا شيء في الوجود أغلى من دمنا علينا إلا كرامتنا وحريتنا مضرجة بهذا الدم الزكي!!

 


انتظرنا 650 يوما والجميع يشاهدنا نُذبح بمعدل يقارب 100 شهيد يوميا، ثم ماذا؟! سئمنا القهر والموت العاجل والبطيء؛ على الطرقات، في غرف النوم، بين طوابير التكايا والمخابز المغلقة، وسط رمال الانتظار لشاحنات تحمل أكفان الموت جنبا إلى جنب مع كابونات المعونة.

 

وبين تقديرات "المحللين والخبراء" المنفصلين عن الواقع، ومناورات قادة الاحتلال المدعومة بالتكنولوجيا والدهاء والخسة وهشاشة مواقف الأصدقاء والأشقاء، نواصل موتنا الصامت وجوعنا القاتل وتيهنا الإنساني فوق بقعة محاصرة مقطعة الأوصال. يُطبق علينا اليوم تكتيك "الحشر والتطويق" تمهيدا لتهدئة ملغومة، في ثلاث فقاعات خانقة: غرب غزة، دير البلح وشمالها، ومواصي خانيونس. وجميعها مناطق تعاني نقصا واضحا في المياه والغذاء والدواء، كما تعاني سوء الإيواء وفوضى الأداء.

 

السيدات والسادة/

الاحتلال يقتل، يبيد، يدمر: نعم. الجميع يدين الاحتلال ودولته وجنرالاته- نعم. ولكن غزة لم تعد تحتمل الإدانات الفارغة ولا البيانات الخشبية. إن ما تبق من بيوتنا وطرقاتنا ومرافقنا وأجساد نسائنا وأروح أطفالنا، ذكرياتنا وفرص بقائنا ليست ساحة للتجريب التقني ولا رهينة لموازين قوى إقليمية.

 

لذا، نوجه صرختنا وصيحتنا باسم من بقي حيا تحت الركام أو في عتمة الخيام:

 

إلى قادة منظمة التحرير الفلسطينية ومسؤولي السلطة الوطنية: إنكم تتحملون مسؤولية وطنية وأخلاقية وسياسية وقانونية مباشرة. فأوقفوا لغة البيانات واللقاءات الشكلية، تحركوا فورًا لاستنفاد كل أوراق الضغط في كل محفل ومحكمة ومنبر. أعلنوا أن لقمة أطفال غزة فوق كل الحسابات. فلتتحرك السفارات والممثليات، وليعبأ الرأي العام الفلسطيني لهبة كفاحية شاملة في كل الساحات، ليتقاسم الجميع أعباء المعركة وأثمانها.

 

وإلى قيادة حركة حماس ووفدها المفاوض: بيدكم حياة أكثر من مليوني إنسان. اجعلوا أمن الناس ومعيشتهم أولويتكم المطلقة. اقطعوا الطريق على مخططات الاحتلال ومناورات نتنياهو: الوقت ليس في صالحنا، وإطالة أمد الحرب لا تعني إلا المزيد من القبور. وقف إطلاق النار أولوية قصوى، فلا شيء يعادل إنقاذ حياة الأبرياء/ ومن حق الشعب الذي احتضن المقاومة أن يحظى باستراحة مقاتل أن يلتقط أنفاسه ويضمد جراحه.  


التفاوض معركة لا بد منها، لكنها خاسرة إن لم تحسب كلفة الدم والخسارة الميدانية الفادحة. شاركوا بقية الفصائل مشاركة حقيقية، فمن شأن ذلك أن يعزز من موقفنا التفاوضي ويقطع الطريق على استغلال شتاتنا وانقسامنا وخضوعنا لابتزازات خارجية.

 

وإلى جميع التنظيمات السياسية: هذه لحظة الوحدة أو العار الأبدي، وإن تأخرت عشرين شهرا. لا معنى لصمتكم وعزلتكم خلف البيانات الموتورة. انفضوا عنكم الخوف والكسل. جددوا صلتكم بالناس ولا تتركوهم للموت والجوع والفوضى. مسؤوليتكم جسيمة: وحدوا الصوت، شكلوا قيادة ميدانية للجبهة الداخلية، اقطعوا الطريق على العصابات ومثيري الفتن ومحتكري لقمة كفاف عيش الناس. انبثوا بين النازحين توعية وتنظيما وصمودا ومحاربة لكل شكل من أشكال الاستغلال والانتهاك. ادفعوا بكوادركم ومنتسبيكم للعمل في أوساط النازحين، تشكيل لجان شعبية تشرف على فض النزاعات ومنع الاقتتال، ضمان وصول المساعدات وعدالة توزيعها، تنظيم الأسواق ومنع احتكارها، استنهاض الهمم وبث نفحات الأمل، وتنمية حس المسؤولية الوطنية والمجتمعية واستلهام روح وقيم الانتفاضة الكبرى.

 

وإلى مؤسسات المجتمع الدولي وحوكمته: استنادًا إلى المشترك الإنساني وإلى مسؤولياتكم القانونية والأخلاقية الثابتة وغير القابلة للتنازل، نطالبكم بـ:

أولا: الضغط بكل الوسائل على حكومة الاحتلال وقادته لضمان:

Ø    فرض وقف إطلاق نار فوري وكامل وغير مشروط 

Ø    ضمان وصول الغذاء والدواء والوقود بلا عرقلة أو تسييس وابتزاز

Ø    فتح جميع المعابر بلا انتقائية أو تأخير

Ø    احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين والمنشآت المدنية

Ø    وقف سياسات العقاب الجماعي والتجويع والتهجير القسري

Ø    السماح للصحافة الأجنبية الحرة والمستقلة بدخول قطاع غزة، لتوثيق ما يحدث فيها

 

ثانيا: محاسبة حكومة الاحتلال وجنرالاته أمام المحاكم الدولية ووفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف؛ ومتابعة قرارات محكمة الجنايات والعدل الدولية وتطبيقها، فالوضع في غزة لم يعد بحاجة إلى توصيف قانوني

 

ثالثا: حماية اللاجئين والنازحين وتأمين عودتهم الآمنة في إطار حماية دولية فاعلة، على طريق إعادة إعمار شاملة وشفافة وعادلة وبمشاركة النازحين أنفسهم

 

رابعا: رفض أي آليات التفافية بديلة لإدخال المساعدات وتوزيعها ورفض إعاقة عمل المؤسسات الإنسانية وخاصة الأونروا

 

في الختام نشدد مرة أخرى:

دمنا ليس سلعة للمساومة. رغيف خبز أطفالنا ليس رهينة للابتزاز السياسي أو الفوضى الداخلية. نطالب الجميع بلا استثناء: العمل على وقف المقتلة فورا في إطار الحماية الدولية، السماح بإدخال شاحنات المساعدات بلا عسكرة ولا عرقلة ولا نهب ولا احتكار! حماية كرامة الناس من الاستغلال والفوضى والانتهاكات!!

 

هذه صيحتنا فهل من مجيب 

اللهم فاشهد أننا قد بلغنا!