اليوم الوطني للمنتج الفلسطيني: بين رماد الحرب وأمل النهوض الاقتصادي
2025-11-03
date_rangeفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، يحتفل الفلسطينيون بـ اليوم الوطني للمنتج الفلسطيني، وهو يوم رمزي يعيد التذكير بأهمية دعم الإنتاج المحلي، وتشجيع الصناعات الوطنية، وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في وجه سياسات الاحتلال التي تستهدف البنية الاقتصادية الفلسطينية منذ عقود.
هذا اليوم لا يأتي كاحتفال عابر، بل كفعل مقاومة اقتصادية، في زمن تتقاطع فيه التحديات الاقتصادية مع التحديات السياسية والاجتماعية، ويصبح دعم المنتج الوطني فعل بقاء وصمود.
تشير البيانات الرسمية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين تراجع بنسبة 29% منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو تراجع غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الفلسطيني الحديث.
فقد انخفض الناتج المحلي في الضفة الغربية بنسبة 18%، بينما بلغت الخسائر في قطاع غزة 86%، ما يعكس عمق الكارثة الاقتصادية التي ضربت القطاع المحاصر والمدمر بفعل العدوان.
وبذلك، تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 10 مليارات دولار أميركي فقط، بعد أن كان يتراوح بين 13 و15 مليار دولار قبل الحرب، وهو ما يعني فقدان ما يقارب ثلث الناتج خلال عام واحد فقط.
تلك الأرقام لا تعكس مجرد تراجع اقتصادي، بل انهياراً في سلاسل الإنتاج، وتعطيلاً لمصادر الدخل، وارتفاعاً حاداً في نسب البطالة والفقر، خصوصاً في غزة التي توقفت فيها معظم الأنشطة الاقتصادية بسبب الدمار الواسع والحصار المشدد.
أما في الضفة الغربية، فرغم استمرار النشاط الاقتصادي جزئياً، إلا أن القيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة وتراجع القوة الشرائية أثرت بشكل مباشر على قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات.
ورغم قتامة المشهد، تبرز المشاريع الصغيرة والأسرية كقصة نجاح فلسطينية وسط العاصفة. فقد أثبت هذا القطاع الريادي قدرته على الصمود والتكيّف، بل والمساهمة في تخفيف آثار الانكماش.
تشكل المشاريع الريادية الأسرية نحو 7% من الاقتصاد الفلسطيني، وهي تضم أكثر من 100 ألف مشروع إنتاجي يعمل فيها أكثر من 185 ألف عامل.
تتنوع هذه المشاريع بين إنتاج الأغذية والمشغولات اليدوية والمنسوجات، وصناعة الصابون، والحرف التراثية، والمستلزمات الزراعية، وهي اليوم تشكل عماد ما يسمى “الاقتصاد المنزلي المقاوم”.
هذه المشاريع لا تُعد مجرد مصدر دخل لعائلاتها، بل نموذجاً اقتصادياً قابلاً للتوسع، يساهم في تمكين المرأة، وتوفير فرص عمل محلية، وتقليل الاعتماد على الواردات، وهو ما يجعل دعمها أولوية وطنية في المرحلة الراهنة.
من أهم السياسات الاقتصادية المطروحة للنهوض بالإنتاج الوطني سياسة إحلال الواردات، أي استبدال السلع المستوردة بمنتجات فلسطينية يمكن إنتاجها محلياً بجودة منافسة.
وتشير الدراسات إلى أن هناك مجموعة واسعة من السلع القابلة للإحلال محلياً، وتشمل:
الأعلاف، الإسمنت، العجول، أغذية الأطفال، صناديق الألمنيوم، اللحوم المجمدة، الأغنام الحية، بيض التفريخ، الإضافات الغذائية، الأسمدة الحيوانية والنباتية، مدخلات الأعلاف، الأحذية والحقائب الستاتية.
تطبيق هذا النهج من شأنه رفع مساهمة المنتجات الفلسطينية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 32%، ما يعني إمكانية خلق أكثر من 100 ألف فرصة عمل جديدة، وضخ دخل إضافي في الاقتصاد الفلسطيني ينعش الدورة الاقتصادية ويعود بالنفع على شرائح واسعة من المواطنين.
كما أن نموذج إحلال الواردات سيساهم في إدخال صناعات جديدة وتوسعة صناعات قائمة، ويفتح المجال أمام المستوردين للتحول نحو استيراد المواد الخام والسلع الأساسية غير المتوفرة محلياً بدلاً من السلع النهائية، بما يدعم الإنتاج المحلي ويعزز تنافسيته.
ولكي يتحول هذا الطموح إلى واقع، لا بد من التركيز على رفع معايير الجودة والإنتاجية، بما يتماشى مع المواصفات العالمية.
فالمنتج الفلسطيني أثبت في السنوات الأخيرة قدرته على المنافسة في الأسواق الخارجية، خاصة في مجالات الأغذية الزراعية والحرف والصناعات الخفيفة.
وقد نجحت العديد من الشركات الفلسطينية في التصدير إلى أسواق عربية وأوروبية بفضل جودة منتجاتها وسمعتها الجيدة.
لكن الطريق لا يزال طويلاً، إذ تتطلب المرحلة الحالية تطوير بيئة الأعمال، وتحسين البنية التحتية الصناعية والزراعية، وتوفير حوافز ضريبية وتمويلية للمصنعين المحليين، إلى جانب الاستمرار في منح الأفضلية للمنتجات الفلسطينية في العطاءات والمشتريات الحكومية، باعتبار ذلك ركيزة لتثبيت الصناعة الوطنية.
لا يمكن الحديث عن التنمية الاقتصادية الفلسطينية بمعزل عن الواقع السياسي.
فوجود الاحتلال وتحكمه بالمعابر والمنافذ التجارية والمياه والموارد الطبيعية يشكل العائق الأكبر أمام نمو الاقتصاد.
يضاف إلى ذلك الانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي أدى إلى انقسام اقتصادي مزدوج في البنية الإنتاجية والتجارية، وأضعف القدرة على صياغة سياسة اقتصادية موحدة.