بأيديهم... يصنعون الأمل: مبادرات مجتمعية من غزة تصون الكرامة
2025-05-19
date_rangeغزة: في قلب غزة المُثقل بالأزمات وتعقيدات الحياة اليومية، تنبثق أحيانًا مبادرات تُشبه ومضات نور وسط العتمة، لا تكتفي بمجرد الاستجابة للحاجات الطارئة، بل تُعيد تعريف معنى الكرامة والتكافل الاجتماعي، بأفعال تنبض بالانتماء وتقف على مسافة قريبة من الناس.
في أحد أحياء منطقة الكرامة، وبين أزقة المخيم الضيقة، كان انقطاع المياه المتكرر يشكّل عبئًا يوميًا على السكان، ويدفعهم لشراء المياه من مصادر خارجية، ما أثقل كاهلهم ماديًا وعرّضهم لمخاطر صحية. استجابةً لمناشدات متكررة، تحركت لجنة الحماية المجتمعية التابعة للإغاثة الزراعية في منطقة الشيخ رضوان بالتعاون مع الأهالي، بتركيب خزان مياه بسعة 1.5 كوب. ما ميّز هذه المبادرة أنها كانت ثمرة عمل تطوعي جماعي: تبرع أحد السكان بالأدوات، وتكفّل آخر بالنقل، وساهم شباب الحي في التركيب والتنظيف. لم يكن الحل مجرد إجراء تقني، بل مشهد حيّ للانتماء والمشاركة الإنسانية التي تجاوزت التحديات، وعكست عمق التكاتف الشعبي.
وفي مشهد آخر من الإبداع المجتمعي، أطلق أحد المزارعين مبادرة فردية ملهمة من مشتل صغير يمتلكه على أطراف المدينة. قرر توزيع أشتال موسمية – كالطماطم، الباذنجان، والفلفل – مجانًا على الأسر في المخيمات. لم تقتصر الفكرة على تعزيز الأمن الغذائي، بل هدفت أيضًا إلى إعادة الحياة إلى الساحات المنزلية، وتمكين النساء من الزراعة فوق الأسطح وفي الحدائق الصغيرة. هذه المبادرة لم تخفف فقط من أعباء المعيشة، بل زرعت أيضًا روح الاعتماد على الذات، وأحيت العلاقة بين الإنسان وأرضه.
أما المبادرة التي لامست القلوب، فكانت في مخيم "رواد" الذي يضم عشرات الأسر المتأثرة بانعدام الأمن الغذائي. خلال يوم واحد، تم تحضير 3,000 قرص فلافل، حصلت كل أسرة على 20 قرصًا. ما يُميز هذه المبادرة أن جميع تفاصيلها نُفذت داخل المخيم: الخبز أُنتج في فرن شعبي، والفلافل أعدّها شباب متطوعون، والتبرعات جاءت من سكان الحي، أما التوزيع فتم بأيدي شباب يعرفون وجوه الناس وبيوتهم. لم تكن مجرد وجبة طعام، بل لحظة دافئة من التضامن والمودة التي افتقدها الناس في خضم الظروف الصعبة.
أحد المشاركين قال:"ما كنا محتاجين حدا ييجي يعطينا من برّا... إحنا قدرنا نعملها بنفسنا، وكل شي اشتغلنا فيه مع بعض صار إله معنى"ثلاث مبادرات، متكاملة في معناها: الماء من أجل البقاء، الزراعة من أجل الاكتفاء، والغذاء من أجل صون الكرامة. جميعها نبتت من داخل المجتمع، من أفراد قرروا أن لا يكونوا مجرد متلقين للمساعدة، بل شركاء فاعلين في صناعة الحل.
ويأتي ذلك ضمن الحملة التي أطلقتها الإغاثة الزراعية تحت شعار: "يدًا بيد نواجه الأزمات ونصون الكرامة"، حيث تتجسد تجربة حيّة للتغيير من الداخل، عندما يُمنح الناس الوعي، وتُستثمر الروح المجتمعية، وتُتاح لهم المساحة لقيادة استجابتهم بأنفسهم.